أثناء البحث عن شخصية أوزليم ايزير مؤلفة كتاب "لاجئات سوريات" 2019 ، ومؤسسة دار ومكان عمل أومي كنت مهتمةً بإجراء مقابلة في مكان أكثر رسمية، بخلاف محادثاتنا حول وجبات الإفطار وأكواب القهوة. تصف أوزليم نفسها بأنها كاتبة ورحالة ومترجمة وناشطة وأكاديمية. مع أنني ومن خلال الوقت القصير الثمين الذي قضيته في هذه الدار أستطيع أن أشهد بأنها أكثر من ذلك بكثير. أوزليم امرأة عميقة التفكير، مهتمة، قوية، تعمل باستمرار بلا كلل لإيقاظ النور في دواخل النساء من حولها، اللواتي لم يلحظن النور في أنفسهن. أعتبر نفسي محظوظة للغاية لأني حظيت بفرصة التعلم منها هذا الشهر. ما يلي هو نسخة معدلة قليلاً من "مقابلة" جرت على مائدة الإفطار.

أدريان: متى راودتك فكرة دار أومي وهل كان هناك شيءُ خاص دفعك إلى ذلك؟ 

أوزليم: ظهرت الفكرة في ذهني بدون موقع منذ فترة طويلة بفضل تجربتي الخاصة ككاتبة مقيمة في أمريكا الشمالية، ولكنها كانت مجرد حلم. في نيسان 2019 بدأ الحلم إلى يتحول إلى خطة. كنت أعيش مرحلة انتقالية، كان عليّ نوعاً ما أن أقرر إما البقاء في الولايات المتحدة أو العودة إلى تركيا، خاصةً بسبب كبر سن والداي وقضايا متعلقة بالصحة. في نيسان التقيت صديقتي القبرصية-اليونانية مايا في نيقوسيا بعد عدة سنوات من عدم الرؤية. لقد فقدت والدتها مؤخراً وكانت تخبرني أن العودة من أجل أحد الوالدين تستحق ما يبذل لأجلها. فالندم أو ذلك الشعور الذي يراودكِ حال فقدانهم يشعركِ بالعجز فلا تستطيعين فعل أي شيء حيال ذلك. أعطتني الفكرة، كان الأمر رائعاً، يمكنني حقاً أن أعود، هناك منزل مناسب بالقرب من اسطنبول.

أدريان: أردت أن أقتبس من موقع الانترنت الخاص بك: " الروحانية لا يمكن ولا يجب أن تكون الراحة المخدرة في عالم محطم لكن آثارها العلاجية قد تظهر بطرق مدهشة ومنبهة" هل يمكنك قول المزيد عن هذا الأمر وعن دور الروحانية في الانتقال و المساحات؟ 

أوزليم: أجل، هذا في الواقع يتعلق أيضاَ بمشروعي الحالي مع اللاجئات السوريات حيث حصلت على بعض التمويل من جامعة سابانجي لذا آمل أن تعرض بعض ساكنات أو ضيوف أومي تجاربهن حول ذلك. تساعدنا الروحانية على الصمود إنها تعتبر كملجأ بحد ذاته. على الرغم من تواجدها فقط في قلبك وعقلك إلا أنها قد تكون بمثابة ملجأ صلب. تظهر بعض الدراسات أنه إذا كنتِ روحانيةً أو تؤمنين بوجود قوى عليا تفوقك وما تعتقدين أنه عالم مادي، سيمدكِ ذلك بقوة أكبر ومرونة أكثر من الناحية النفسية.حقيقةً أشعر بالفضول كيف يمكن أن تجري الأمور عندما أتحدث مع النساء حول هذا الأمر. فبعد فقدان الأحبة وتجربة الحرب قد تصبحين متمردةً جداً، قد تتخلين عن إيمانك أو إلهك وترفضينه. نحن نأمل أن يستقبل أومي النساء الروحانيات والمتدينات فنحن بكل تأكيد منفتحون على ممارساتهم وطقوسهم... ليشعروا بشعور أفضل حول ما يمرون به. قد تقود هذه الممارسات أيضاً إلى الإبداع و الإلهام. فنحن لسنا مبادرة علمانية للغاية أو مناهضة للدين. 

أدريان: كمحاورة ومستمعة جيدة، كيف تتعاملين مع الاستماع إلى القصص التي تختلف تماماً عن قصتك؟ أو ربما مع الصدمات التي يصعب فهمها؟ 

أوزليم: أعتقد أن مفهوم الاستماع العميق أو الاستماع الواعي يتلخص بما كنت أحاول القيام به، أن أعطي اهتمامي للمتحدثة، لاختياراتها للكلمات، للإيماءات، لنبرة الصوت وما إلى ذلك. يشكو الناس عادةً من عدم وجود من يستمع إليهم خاصةً وأنهم لاجئون. 

ثم قالت أوزليم: إن هذا السؤال "مهم للغاية وعزيز على قلبي" ثم طلبت أن تفكر به لتكتب رداً مفصلاً ومدروساً عبر البريد الالكتروني، وكان ما يلي:[ 

التواضع والاحترام هي الكلمات الرئيسية وأكاد أجزم أن هذان المفهومان قد يكونان المفاتيح السحرية لفتح قلب أي شخص. أحاول تخفيف وطأة الأمر على من أقابلهم وذلك بعدم ذكر الإنجاز الأكاديمي، وفي حال كانت الوسيطة بيننا تعرفني منذ سنوات أطلب منها ألا تذكر جميع الإنجازات في ملفي الشخصي فتذكر فقط أنني )كاتبة، صديقة جيدة، مدرّسة لغة إنكليزية، إلخ) أعتقد أن ذلك يؤثر في كلا الطرفين. لا أريد أن أحسد نفسي ولكني تلقيت ردود فعل جيدة حتى الآن وأصبحت صديقة جيدة لمعظم من قابلتهم، لقد سألوني عن أمور أخرى وشاركوا معي العديد من قصصهم بعد انتهاء كل المقابلات. 

يعتمد منهجي لروايات الصدمة بصراحة على الحالة، فكل إنسان مختلف جداً وفريد من نوعه لدرجة أني أعيش في معضلة مستمرة ألا وهي ... حسناً، لقد فقدت الثقة في العلوم الاجتماعية منذ فترة بسبب تميز البشر وسرعة تغيرهم أو تغيرنا. لكن في الوقت نفسه أبذل قصارى جهدي لأرتقي بأدبيات روايات الصدمة وكيفية مقابلة الناجيين. فعلى سبيل المثال، في الشتاء الماضي حضرت أحد دروس التاريخ الشفوي للبروفيسورة سلمى ليديسدورف في جامعة أمستردام مع طلاب الدراسات العليا الذين كانوا أصغر مني بكثير لأتعلم المزيد عن أحدث الاستراتيجيات والاتجاهات والدراسات والمناقشات الأكاديمية وتجارب سلمى الخاصة بكل ما يتعلق بإجراء المقابلات. كانت حريصة جداً على الرعاية الذاتية للشخص الخاضع للمقابلة أيضاً وكانت منفتحة جداً بشأن قصصها المرهقة.

باختصار أعترف بأنني أتعلم باستمرار ولا يمكنني التأكد بشكل تام من تجاربي كمحاورة بغض النظر عن عدد الأشخاص الذين حاورتهم. وهذا ما يبقيني منتبهة و قلقة دائماً. 

الرد الأكثر "احترافية" والأكثر أماناً هو أنني أكون على استعداد لأسوء السيناريوهات، و أحرص على أن أحيل الشخص إلى مختص في حالة حدوث موقف غير متوقع. ومع ذلك صادفت العديد من النساء اللواتي أخبرنني أن جلسات العلاج أو الاستشارة لم تساعدهن على الإطلاق بل شعرن بالعزلة أكثر من أي شيء أخر. في كندا أكد لي عمال منظمات غير حكومية أنهم فشلوا في "شفاء"/ معالجة المهاجرات من الدول الإسلامية وخاصة من سوريا باعتبارهم أخرمن جاؤوا بعد الصوماليين على ما أعتقد. 

أعتقد أن التدريبات و ورشات العمل التي حضرتها قبل إجراء المقابلات (بعضها كان مطلوباً كما هو الحال في معهد السلام والعدالة التابع لجامعة سان دييغو) هيأتني لهذه العملية. 

أدريان: ما هو الدور الذي تلعبه القصص والروايات الشخصية في تغيير الصور النمطية السلبية والخاطئة؟ 

أوزليم: الأمر متعلق بالأسئلة وكيفية صياغتها. فبالنسبة للصحفيين الإعلاميين أصحاب الأجندات فإنهم يستمرون بإعادة إنتاج الصور النمطية و صور معينة لأن لديهم هذه الأجندة. إنها تكمل ما هو موجود سابقاً. لذا أعتقد أن صياغة الأسئلة بطريقة مختلفة، وطرح أسئلة عن أشياء مختلفة تماماً أمرٌ مهمٌ للغاية، من السهل علي قول ذلك بما أنني أعمل بشكل مستقل دون تبعية لأحد. ومع ذلك أعتقد أنه يجب على الصحفيين التحدي أو على الأقل انتقاد الأفكار أو الصور المفروضة في أي مكان يعملون فيه. 

أدريان: إذاَ كيف تتوصلين إلى الأسئلة التي تطرحينها والتي تحاولين عدم طرحها؟ 

أوزليم: كنت أحاول ألا أسأل عن تجربة النزوح، تعمدت تأخير طرح هذه الأسئلة حتى النهاية، دعنا نقل بعد خمس ساعات من المقابلة تقريباً. لاحظت أن بعض النساء في الواقع حاولن أيضاً تجنب ذكرها. الأمر عائد للمعالج لتحديد السبب ولكن بعضهن كن سعداء بتخطي هذا الجزء. لم يرغبن في الحديث عن كيف أصبحن لاجئات، وكيف حزمن أمتعتهن وتركن منازلهن، عن الرحلة بحد ذاتها. لأن تفاصيل الرحلة وما يحدث بعدها عند الوصول إلى تركيا أو اليونان هو ما يتم التركيز عليه من قبل المسؤولين والموظفين غير الحكوميين، فيواصل اللاجئون ذكر نفس الرواية مراراً وتكراراً سواءً كانوا يريدون ذلك أم لا يريدون. لذا كنت أحاول إما تأجيل طرح الأسئلة عن هذا الأمر حتى تتقوى الصداقة بيننا أو أطرحها بعد 90 سؤالاً لا يتعلق بهذه المرحلة من حياتهن. فيصبح الأمر وكأنه " حسناً، هذا جزء من حياتي".

أدريان: أعتقد أن الصحفيين عادةً ما يحاولوا الذهاب إلى هذا الجزء العاطفي، حيث تخرج أقوى وأعمق العواطف ممن يحاورونهم وذلك ما يشد انتباه القراء. 

أوزليم: صحيحٌ تماماً، ولكن من وجهة نظرهم؟ تخيل كيف يمكن أن يكون مزعجاً أن تعودي للعيش في ذكريات من تجارب معينة. يمكن إثبات ذلك بسهولة من خلال دراسات الصدمات، ليس فقط مع اللاجئين ولكن معظم روايات الصدمات تقول "احذر، يمكن أن تصبح جزءاً من هويتك" في حين أنها ليست كذلك. إنها ليست جزءاً من هويتهم، إنها تجربة في حياة المرء. هكذا أتعامل مع فكرة أن تصبح لاجئاً. ربما يجب تغيير فعل "تصبح". 

أدريان: كيف تعاملت مع المشاعر التي خرجت منك وممن كنت تحاورين أثناء طرح الأسئلة؟ أعلم أنك على دراية تامة بالجانب المتعلق بصحافة الصدمة وتحاولين بوضوح تجنب ذلك. كيف استطعت وضع مشاعرهن بصدق في هذا الكتاب دون أن تجعليها كمشهد معروض للأعين؟ 

أوزليم: لست متأكدة لأنني بصفتي الكاتبة، لم أكن متأكدة مما إذا كنت قد تمكنت من تجنب الفقرات المربكة أم لا، لكن ذلك كان أحد أهدافي. لم أكن أريد أن يقرأ الناس ويبكون طوال الوقت. كما أنني طبعاً أحتاج إلى– رغم خطورة الأمر- عدم اعتباره ذو محتوى متواضع، هذا ليس ما أردته أيضاً. 

وعن كيفية تعاملي مع العواطف؟ أنتظر عادةً، أحاول أن أخلق مكاناً ليس عاماً جداً، كأن نذهب إلى ركنٍ هادئٍ في مقهى لأن هناك العديد من النساء يبكون في بعض الأحيان. لكن واحدةً فقط من بين التسعة اللواتي قابلتهم كان لديها عدة حلقات بكاء حيث كان علينا التوقف والانتظار... في الحقيقة أنا هادئة للغاية، أنتظر. يعتمد هذا على الشخص، "هل يجب أن أعانقها، هل يجب أن أخبرها بشيء ما"، أقرر مثل هذه الأشياء على الفور. إنه شعور داخلي عميق. أحياناً يقلن "آه" ثم يمسحن دموعهن ويواصلن الكلام. لقد كانت شخصياتهن مختلفة جداً. 

أدريان: ما هي الأمور العالمية (الموجودة لدى كل أنثى في العالم) التي شهدتِها في تجربتك مع الإناث؟ 

أوزليم: أن تصبح أمّاَ، عندما يتحدثن عن أطفالهن يشرقن جميعهن. لكن في حال البعد عن الأطفال كما هو حال بعضهن، يبكين ويفتقدن أطفالهن كثيراً. لذا فإنه شيء عالمي ومفهوم للنساء على وجه التحديد. 

حديث الطعام، في مرحلة ما –حتى لو لم أسأل – كالطعام ،الطبخ ،تقاليد الطعام وحديث المطبخ يكون عالمياً تماماً. أحبه حقاً أحبه. في الواقع كانت هذه استراتيجية، أحياناً عندما نأتي بحديث حساس للغاية أو عندما تبكي إحداهن كثيراً، أعلق "لنأكل بعض الحلوى" هناك دائماً طعام أو شراب، وقهوة بشكل خاص. تلعب القهوة دوراً في الشفاء. إنه أمر آخر شائع بيننا تسعدني مشاركته. 

أعتقد أن رعاية وتشارك المشاعر أسهل بكثير بالنسبة للنساء. كأن يتحدثن عن شعرهن، أو أشياء بسيطة. تترابط النساء بسرعة كبيرة. أعتقد أنه سيكون من الأصعب بكثير لو أني أجريت مقابلات مع الرجال. في بعض المقابلات سُئلت عما إذا كنت أفكر في مقابلة رجال سوريين، فأجبت: لا، لا أريد. هناك الكثير من المعوقات، إنها في الواقع مهمة صعبة، فلماذا أجعل الحياة أكثر صعوبة؟ يجب على الرجال مقابلة الرجال عندما يتعلق الأمر بالمعرفة المعقدة. هذا هو الجانب الجنسي (النوعي) في عملي وخياري أيضاَ. 

أدريان: كيف يبدو تمكين المرأة بالنسبة لك؟ 

أوزليم: أفكر كثيراً بمفهوم التمكين، أخشى أنني سأعطي إجابة مستحدثة جداً عن ذلك لأن التمكين يمكن أن يعني أشياء كثيرة في سياقات مختلفة، لدي مثال خاص عندما هاجرت إحدى صديقاتي المقربات في كندا إلى نيروبي لمساعدة رفيقاتها من النساء والفتيات في الصومال، غطت نفسها بالكامل وغيرت ملابسها وطريقة كلامها. أقدم هذا المثال لأنني أعلم أنه بالنسبة للنساء في تركيا أو في أمريكا الشمالية قد يعني هذا العودة إلى الوراء أو أن تصبح محافظة للغاية. لكنني لا أوافق هذا الرأي، فأنا أعرف صديقتي حق المعرفة، وفي حالتها هذه ربما كان ذلك جزءاً من استراتيجية وضعتها. في سياق العمل على الأرض في الصومال، كان القيام بذلك بمثابة التمكين. 

أدريان: ما الذي تقدرينه أكثر حول العلاقات الأنثوية في حياتك؟ 

أوزليم: ياه! كل جانب منها. الجانب الغير رسمي – أن أعلم أن هناك من يسندني ويدعمني في أي وقت. هذا قيّم للغاية. بالمناسبة هذا تمكين أيضاً. قد تبدو من الخارج بائساً جداً، من يدري كيف يمكن أن تبدو امرأة بعقليتي للآخرين، لكنني أعرف من تجربتي أنه طالما لدينا شبكة نسائية – وأعني عالمياً، بالمناسبة هذا مهم جداً، شبكة نسائية عالمية – فنحن حقاً قويات جداً. تعرف النساء ذلك في قلوبهن وعقولهن. بغض النظر عن مكان وجودهن، يمكنهن التصرف بشكل أقوى، يمكنهن التحرك بشكل أقوى، يمكنهن المشي بخطوات أكثر ثباتاً. يمكنني أن أكون عاطفيةً جداً في هذا الأمر. 

أجريت هذه المقابلة في أومي في كانون الثاني 2020.

Syrian Women Refugees (2019)

Arabic